هذة وصيتى
كنت سائر فى طريق الحياة وإذ بى أجده جالساً على صخرةً مرتفعة وبيده سفراً (كتاب) مفتوح كبير وريشة قديمة يغمسها حبراً ويدون بها داخل هذا السفر ، ولكنى وجدته يفعل شئياً عجيباً ، وجدته ينظر فى الاتجاهات الأربع للعالم ثم ينحنى ويكتب ، كان يفعل هذا بلا انقطاع ، فأقتربت منه لعلى اعرف ما يكتبه ، وعندما اقتربت وجدته ينظر إلى ثم نادينى بأسمى مبتسماً قائلا تعالى أجلس ، فإزددت حيرة ، كيف عرفنى ؟ ولماذا هيئته غريبة كأنه أتى من زمن بعيد ، شعره أبيض كالكتان ، ولحيته كبيرة مصففة متدلية على جلبابه الابيض الناصع الثمين ولكنه ملطخ تاراً باللون الاحمر وتاراً بالاسود وتارة مظرز بالذهب والجواهر الثمينة .
فسألته من انت : فرفع رأسه وكف عن الكتابة وقال : اسماءً كثيرة اطلقتموها على : منكم من يدعونى التاريخ ، ومنكم من يدعونى الزمن ، ومنكم من يدعونى سفر الحياة الأرضى ، انا الذى أدون كل شئ عن هذا العالم ، فعدت وسألته لماذا ثوبك الابيض الناصع ملطخ باللون الاحمر تارة والاسود تارة ، وما هذه الجواهر الثمينة المذينة بيها ثيابك ، فأجابنى ثوبى الابيض الناصع هو لون النقاء والطهارة والبراءة التى خلق الله بها هذه الدنيا ، اما اللون الاحمر هو الدم الكثير الغالى والرخيص الذى سفكتموه بعضكم لبعض بكل وحشية وبدون أسباب حقيقية ، فهذا الكتاب مليئ بالحروب وسفك الدماء صدقنى بلا سبب يقنعك ، تخيل الحيوانات التى خلقها الله لا تتقاتل مع بنى جنسها ، فالاسود والنمور وهى افرس الحيوانات لا تقتل بعضها ، وإنما تُقيت بعضها ، ام اللون الاسود فهو الشر الذى تلذذ به البشر ، اما هذه الجواهر فهى الأشياء العظيمة التى فعلها بنى جنسك على مدار هذا الزمن . فكل من قدم خدمة لبنى البشر وضعت له جوهرة ثمينة بمقدرا ما فعل لهذا الكون من جهد وتعب وخدمة ، وكلما إزداد عمله خيرا كلما إزداد بريقاً ولمعاناً .
فعدت وقلت له ، وهل لى انا صفحة عندك ، فأبتسم وقال بالطبع كل نسل آدم له فى هذا الكتاب صفحة خاصة به ، هو من يدونها بأعماله وأفعاله واقواله ، وعندما سمعت هذا أرتجفت ، وخفق قلبى وفى وقار لم أعهده لأحد قلت له: ماذا توصينى أن أفعل حتى تكون سيرتى جيدة فى حياتى ومن بعدى ، فقال لى :
أوصيك أن تفعل كل شئ بحب ، فعظمة الأشياء ليس بحجمها ولكن بمقدار الحب التى فعلته بها ، فأنت تستطيع أن تفعل شئياً صغيراً بحباً عظيماً فيدونهُ التاريخ بكل فخر وعظمة ، إن أحببت لن تظلم أحد ، إن أحببت لن تسرق أحد ، إن أحببت لن تخون أحد ، إن أحبتت لن تقسوا على أحد ، إن أحببت ستكف عن الشر وتسلك طريق الخير ، وهذا ما يريده الله منك وهذه وصيتى .
بقلم مينا شوقى