محمود الميلجى
لــد في 22/12/1910، في حيّ المغربلين، ونـشأ في بيـئة شعبـية حتى بعـد أن انتقل مـع عائلـته إلى حـيّ الحلـمية، وبعـد أن حصل على الشـهادة الابتدائية اختار المدرسة الخديوية ليكمل فيها تعليمه الثانوي. اختاره المخرج "إبراهيم لاما" لأداء دور "ورد" غريم "قيس" في عام 1939.. كما أنه وقف، في عام 1936، أمام "أم كلثوم" في فيلمها الأول (وداد).. إلا أن دوره في فيلم (قيس وليلى) هو بداية أدوار الشر له، والتي استمرت في السينما قـرابة الثـلاثين عاماً.. حـيث قـدم مـع "فـريـد شـوقـي" ثنائياً فنياً ناجحاً، كانت حصيلته أربعمائة فيلماً. كـان عضواً بـارزاً في الـرابطة القـومية للتمثـيل، ثـم عضواً بالفرقة القومية للتمثيل. تزوج من رفيقة عمره الفنانة "عُلوية جميل" وبقى مخلصاً لها على مدى اثنين وأربعـين عامـاً حتى وفــاته. رحل عنا وهو في سن الثالثة والسبعين، وكان ذلك في 6/6/1983. بعد رحـلة عطاء مـع الفن استمرت أكـثر من نصف قـرن، قدَّم خلالها أكثر من سبعمائة وخمسين عملاً فنياً، ما بين سينما ومسرح وتليفزيون وإذاعة.
تمر علينا الذكرى الحادية عشر ، لوفـاة أحـد عمـالـقة التـمثـيل فـي الــسينما المصـرية .. وواحـد من جيـل الرواد الذين أثروا الحـياة الفنـية فيها .. إنه الفنان الكبير
"محمود المليجي" . رحل عنا وهو في سن الثالثة والسبعين ، وكان ذلك في السادس من
شهر يونيو عام 1983 . بعد رحـلة عطاء مـع الفن إسـتمرَّت أكـثر من نصف قـرن ، قدَّم
خلالها أكثر من سبعمائة وخمسين عملاً فنياً ، ما بين سينما ومسرح وتليفزيون وإذاعة . وكما يموت المحارب في ميدان المعركة ، مات محمود المليجي في مكان التصوير وهو يستعد لتصوير آخر لقطات دوره في الفيـلم التليفزيوني "أيـــوب" .. فجـأة ، وأثناء تناوله القهوة مع صديقه "عمر الشريف" ، سقط المليجي وسط دهشة الجميع .
أطلق عليه الفنانون العرب لقب "أنتوني كوين الشرق" ، وذلك بعد أن شاهدوه وهو يؤدي دور"محمد أبوسويلم" في فيلم (الارض ـ1970) .. فقد أدّى فيه أعظم أدواره على الإطلاق . فلا يمكن لأحد منا أن ينسى ذلك المشهد الختامي العظيم ، ونحن نشاهد المليجي أو "محمد أبوسويلم" وهو مكبـَّل بالحـبال والخـيل تجـرُّه على الارض محـاولاً هـو التـشـبث بجذورها . ولم تكن روعة المليجي في فيلم الارض تكمن في الأداء فقـط ، بل في أنه كـان يؤدي دوراً معبراً عن حقيقته ، خصـوصاً عندما رفض تنفـيذ هذا المـشـهد باسـتخدام بديل"دوبلير" ، وأصَّـر على تنفـيذه بنفسه .. لم يكن ـ قط ـ مجرد ممثل ، بل كـان فناناً .. عـاش ليقدم لنا دروساً في الحياة من خلال فنه العظيم . كانت معظم أدواره ، حتى أدوار الشر ، تهدف الى مزيد من الحب والخير والاخـلاص للناس والـوطن .. كـان مدرسـة فنـية في حـد ذاته .. وكان بحق أستاذاً في فن التمثيل العـفوي الطبـيعي ، البعـيد ـ كل البـعد ـ عن أي إنفـعال أو تشـنج أو عصبـية .. كـان يقـنع المتــفرج انـه لا يمـثل ، ومـن ثـم إكتـسـب حـب الجماهير وثقتهم .
ولــد "محمود المليـجي" في الثـاني والعـشرين من ديسمبر عـام 1910 ، في حيّ المغربلين ، أحد أقدم أحياء القاهرة الشعبية وأشهرها .. ونـشأ في بيـئة شعبـية حتى بعـد أن إنـتقل مـع عائلـته الـى حـيّ الحلـمية ، وبعـد أن حصل على الشـهادة الإبـتدائـية إخــتار المدرسة الخديوية ليكمل فيها تعليمه الثانوي . وكان حبه لفن التمثيل وراء هذا الإختيار حيث أن الخـديوية مدرسـة كـانت تشـجع التمـثيل ، فمـدير المدرسة "لبيب الكرواني" كان يشجع الهوايات وفي مقدمتها التمثيل ، فالتحق المليجي بفريق التمثيل بالمدرسة، حيث أتيحت له الفرصة للتتلمذ على أيدي كبار الفنانين ، أمثال : أحمـد عـلام ، جـورج أبيض ، فتوح نشاطي ، عزيز عيد ، والذين إستعان بهم مدير المدرسة ليدربوا الفريق .
يتحدث المليـجي عن أيـام التمـثيل بالمـدرسة ، فيقول : في السنة الرابعة جاء عزيز عيـد ليدربنا ، جذبتني شخصيته الفذة وروعة إخراجه وتطور أفكاره ، وكنت أقـف بجانبه كالطفل الذي يحب دائماً أن يقلد أباه .. وقد أُعجب بي عزيز عيد وأنا أمثل ، ومـع
ذلك لم يُعطنِ دوراً أمثله ، وكـان يقول لي دائمـاً .. (إنت مش ممثل .. روح دور على شـغلـة ثانية غير التمثيل) .. وفي كـل مـرة يقول لي فيـها هذه العبـارة كنـت أُحـس وكأن خنجراً غـرس في صـدري ، وكثـيراً ما كنت أتـوارى بجـوار شجـرة عجـوز بفـناء المـدرسة وأترك لعيني عنان الـدموع ، الى أن جـاء لي ذات يـوم صـديق قـال لي : إن عزيز عـيد يحـترمـك ويتنبأ لك بمستقبل مرموق في التمثيل ، فصرخت فيه مَنْ قال لك ذلك ؟ أجاب إنه عزيز عيد نفسه .. وعرفت فيما بعد أن هذا الفنـان الكبـير كان يقول لي هـذه الكلـمات من فمه فقط وليس من قلبه ، وإنه تعمَّـد أن يقولـها حتى لا يصيبني الغرور ، وكان درساً لاينسى من العملاق عزيز عيد .
وفي إحـدى عـروض فرقـة المـدرسـة المـسرحية، كـان من بين الحاضرين الفنانة "فاطمة رشدي"، والتي أرسلت تهنيء المليجي ـ بعد إنتهاءالعرض ـ على أدائه الجيد لدور "ميكلوبين" في مسرحية "الذهب"، ودعته لزيارتها في مسرحها حيث عرضت عليه العـمل في فرقتها بمرتب قدره أربعة جنيهات شهرياً. عنـدها تـرك المليـجي المـدرسـة لأنـه لــم يستطع التوفيق بينها وبين عمله في المسرح الذي كان يسيطر على كل وجدانه. فقدم مع "فاطمة رشدي" مسرحية ( 667 زيتون ) الكوميــديــة.. كمـا مثل دور "زياد" في مسرحية (مجنون ليلى).. وكان أول ظهور له في السينما في فيلم (الزواج ـ 1932) الذي أنتجته وأخرجته فاطمة رشدي، وقام هو بدور الفتى الاول أمامها. وبعـــد أن حُلَّت فرقة فاطمة رشدي، عمل المليجي كملقن في فرقة "يوسف وهبي" المسرحية. ثم إختاره المخرج "إبراهيم لاما" لأداء دور " ورد" غريم "قيس" في فيلم سيـنمائي من إخـراجـه في عام 1939.. كما أنه وقف، في عام 1936، أمام "أم كلثوم" في فيلمها الاول ( وداد ).. إلا أن دوره في فيلم (قيس وليلى) هو بداية أدوار الشر له، والتي إستمرت في السينما قـرابة الثـلاثين عاماً.. حـيث قـدم مـع "فـريـد شـوقـي" ثنائياً فنياً ناجحاً، كانت حصيلته أربعمائة فيلماً.
وكانت نقطة التحول في حياة "مـحـمـود المـليجي" في عـام 1970، وذلك عندما إختاره المخرج "يوسف شاهين" للقيام بدور "محمد أبوسويلم" في فيلم "الارض".. فقد عمل فيما بعد في جميع أفلام يوسف شاهين ، وهي: الإختيار، العصفور، عودة الإبن الضال، إسكندرية ليه، حدوته مصرية.
وقد تحدث يوسف شاهين عن المليجي، فقال: (...كان محمود المليجي أبرع من يـؤدي دوره بتلقائية لـم أجـدها لدى أي ممثل آخر، كمـا أنني شـخصـياً أخـاف من نظـرات عينيه أمام الكاميرا...).
وقد ترك المليجي بصماته في المسرح أيضاً منذ أن إشتغل مع "فاطمة رشدي"، حيث إلتحق فيما بعد بفرقة "إسماعيل ياسين"، وبعدها عمل مع فرقة "تحيَّـة كـاريـوكـا"، ثـم فـرقـة المـسرح الجـديـد.. وبـذلـك قـدم أكـثر من عـشرين مـسرحية، أهـمـها أدواره في مسرحيات: يوليوس قيصر، حـدث ذات يوم، الـولادة، ودور "أبو الـذهب" في مـسرحية أحمد شوقي "علي بك الكبير".
ثم لا ننسى أن نشير الى أن محمود المليجي قد دخل مجال الإنتاج الـسـينمائي مساهـمة منه في رفـع مـستوى الإنتـاج الفني، ومحـاربة مـوجة الافـلام الـساذجة، فـقدم مجموعة من الافلام، منها على سبيل المثال: الملاك الابيض، الأم القاتلة، سوق الـسلاح، المقامر.. وبذلك قدم الكثير من الوجوه الجديدة للسينما، فهو أول من قدم فريد شـوقي، تحية كاريوكا، محسن سرحان، حسن يوسف، وغيرهم.
لقد مثل محمود المليجي مختلف الأدوار، وتقمص أكثر من شخصية: الـلص، المجرم، الوسيم، القوي، العاشق، رجل المباحـث، البوليس، الباشـا، الكهـل، الفـلاح، الطبيب، المحامي.. كما أدى أيضاً أدواراً كوميدية.
كـان عضواً بـارزاً في الـرابطة القـومية للتمثـيل، ثـم عضواً بالفرقة القومية للتمثيل. لقد كان محمودالمليجي فناناً صادقاً مع نفسه.. تزوج من رفيقة عمره الفنانة "عُلوية جميل" وبقى مخلصاً لها على مدى إثنين وأربعـين عامـاً حتى وفــاته.. كـان إنساناً مع زملائه الفنانين، وأباً روحياً لهم، ورمزاً للعـطاء والبـذل والصمود أمام كـل تيـارات الفن الرخيص، ورمزاً لفنان إحترم نفسه فاحترمه جمهوره.